في خطوة تُعبّر عن انسانية المجتمع وتقدّمه، يُفتتح مركز “خطوة وبصمة” ليس كصرحٍ تدريبي عادي، بل كبيتٍ للخبرة والأمل، وواحةٍ تثمر كرامة واستقلالية للأشخاص ذوي الإعاقة واضطراب طيف التوحد. إنه أكثر من مجرد مركز؛ هو رسالة إيمان بقدرات هؤلاء الأفراد، وإعلانٌ بأن الاختلاف ليس عائقاً، بل قد يكون مصدر قوة وإبداع إذا ما وجد البيئة الداعمة والفرصة المناسبة.
رؤية تتجاوز التقليد: من الرعاية إلى التمكين
لطالما تركزت النظرة المجتمعية التقليدية نحو الأشخاص ذوي الإعاقة على مفهوم “الرعاية” بمعناها الاحتياطي، الذي يهدف إلى توفير الحماية والدعم المعيشي فقط. لكن مركز “خطوة وبصمة” يتبنى فلسفةً أعمق وأكثر جدوى: فلسفة “التمكين”. فالتمكين هو ذلك التحول النوعي من اعتماد الفرد على الآخر إلى اعتماده على نفسه، ومن الشعور بالعبء إلى الإحساس بالإنجاز، ومن العزلة إلى الاندماج. إن الهدف ليس منحهم سمكةً يأكلونها يوماً، بل تعليمهم مهارة الصيد ليُطعموا أنفسهم طوال الحياة.
هنا، في هذا المركز، يُترجم هذا المفهوم إلى واقع ملموس عبر برامج “التأهيل المهني” و”التدريب العملي” المُصممة خصيصاً لتناسب القدرات المتنوعة. إنه اعتراف بأن سوق العمل لا يحتاج إلى نمط واحد من الموظفين، بل إلى تنوع في المهارات والطبائع، وهو ما يوفره الأشخاص ذوو الإعاقة عندما يتم تأهيلهم بالطريقة الصحيحة.
التأهيل المهني: جسر العبور إلى عالم الإنتاج
يُعد محور “التأهيل المهني” حجر الزاوية في رحلة تمكين أي فرد. وهو في حالة الأشخاص ذوي الإعاقة، يصبح أكثر إلحاحاً وأهمية. لا يقتصر التأهيل في “خطوة وبصمة” على تعليم مهنة فحسب، بل يشمل بناء الشخصية المهنية المتكاملة.
تبدأ الرحلة باكتشاف القدرات الكامنة. فكل فرد يأتي إلى المركز يحمل معه كنزاً من المواهب والميول التي تحتاج إلى من يكتشفها ويصقلها. عبر تقييمات مهنية ونفسية دقيقة، يعمل الاختصاصيون على تحديد نقاط القوة والضعف، ومن ثم رسم مسار تدريبي واضح المعالم. تتنوع البرامج لتشمل مجالات حرفية كالنجارة والصناعات اليدوية، ومجالات تقنية كإدخال البيانات والبرمجة البسيطة، ومجالات خدمية كالضيافة والزراعة، وغيرها من المهن التي تتوافق مع احتياجات سوق العمل المحلي.
الأهم من ذلك، أن هذه البرامج لا تُقدم في قوالب جامدة، بل هي مرنة وقابلة للتكييف حسب الاحتياج الفردي لكل متدرب، للتأكيد أن كل خطوة في عملية التعلم هي خطوة ناجحة ومثمرة.
التدريب العملي: حيث تلتقي النظرية بالتطبيق
إذا كان التأهيل المهني هو الخريطة، فإن “التدريب العملي” هو رحلة السير على الطريق. إنه المحك الحقيقي لاكتساب المهارة وثقة النفس. يدرك مركز “خطوة وبصمة” أن التعلم في قاعات الدرس فقط لن يبني الخبرة الكافية، لذلك يجعل من الجانب العملي أولوية قصوى.
يعمل المركز على محاكاة بيئات العمل الحقيقية داخل ورشاته ومعامله، حيث يُمنح المتدربون الفرصة لتطبيق ما تعلموه في سياق يشبه إلى حد كبير عالم العمل الفعلي. هذا لا يسمح لهم بإتقان الحرفة فحسب، بل أيضاً بفهم ديناميكيات العمل الأساسية: الالتزام بالوقت، اتباع التعليمات، العمل ضمن فريق، والتعامل مع رؤساء العمل والزملاء.
يتوج هذا المسار ببرامج تدريبية خارجية بالشراكة مع مؤسسات وشركات مؤمنة برسالة المركز. هذه الشراكات الاستراتيجية هي عصب عملية الدمج الحقيقي، فهي تفتح الأبواب أمام المتدربين لتجربة بيئات عمل متنوعة، وتزيد من فرص حصولهم على وظيفة دائمة لاحقاً.
الدمج: الهدف الأسمى وثمرة الجهد
الدمج في سوق العمل هو الحلقة الأخيرة في سلسلة التمكين، وهو الهدف الذي تتجه إليه كل جهود المركز ليس دمجاً شكلياً يُفترض فيه إكمال صورة النشاط المجتمعي، بل هو دمج قائم على الكفاءة والاستحقاق. يُخرج المركز “خطوة وبصمة” أفراداً مستعدين ليس فقط من الناحية المهنية، ولكن أيضاً من الناحية النفسية والاجتماعية.
يتم إعداد المتدربين لمواجهة التحديات المحتملة في بيئة العمل، وتدريبهم على مهارات التواصل الفعال، وحل المشكلات، والدفاع عن أنفسهم بطريقة مهذبة. وفي الجانب الآخر، يعمل المركز على تهيئة المجتمع وأصحاب العمل عبر حملات التوعية، لإقناعهم بأن توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة هو ليس “عمل خيري”، بل هو استثمار ذكي في طاقات منتجة ومخلصة، تتميز غالباً بالتركيز والدقة والالتزام.
بصمة في المجتمع
إن افتتاح مركز “خطوة وبصمة” هو أكثر من مشروع تنموي؛ هو بصمة أمل في مسيرة المجتمع نحو العدالة والمساواة. هو إعلان بأن الاختلاف لا يعني القصور، وأن كل إنسان قادر على العطاء إذا ما أُعطي الفرصة. إن استثمارنا في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة هو استثمار في طاقة بشرية معطلة، وهو استثمار في بناء مجتمع أكثر شمولاً وإنسانية، حيث لا يُترك أحد خلف الركب.
في كل خطوة يخطوها متدرب نحو اكتشاف ذاته، وفي كل بصمة يتركها في منتجه أو خدمته، يثبت المركز أن اسمه لم يُختار صدفة. فهو حقاً مركز يُعيد للأشخاص ذوي الإعاقة حقهم في الحلم، وفي أن تكون لهم خطوة واثقة وبصمة فاعلة في بناء وطنهم.